رحلات العقلاء إلى أغوار الفضاء

«الفضاء صعب، والأخطاء واردة. لكن، إذا لم نحاول، فلن ننجح أبدا».

بهذه العبارة اختتمت مجلة ناشيونال جيوجرافيك خبرها عن التلسكوب الفضائي الذي أطلقته وكالة استكشاف الفضاء اليابانية في الشهر الماضي وفقدت الاتصال به قبل أيام! وكان الأمل أن يعمل هذا التلسكوب لمدة ثلاث سنوات لمساعدة علماء الفيزياء والفلك حول العالم في سبر أغوار الكون.

ليست اليابان وحدها من شارك في بناء التلسكوب، بل شاركت فيه عدة دول منها أميركا وكندا. وما أنفقته اليابان على المشروع يتجاوز المليار ريال. وكل يوم يمضي دون إعادة الاتصال بالتلسكوب، يتبخر الأمل وجهد سنين أمضاه فريق العمل في هذا المشروع. ولكن، هل ستتوقف اليابان عن استكشاف الفضاء؟ بالتأكيد لا، لأن العوائد مجزية مهما عظمت المخاطر.

أحيانا تفشل المهمات في مهدها، ولكن كثيرا ما تنجح نجاحا مبهرا من أول محاولة.

ويذكرني هذا بإنجاز مهم للهند في عام 2014م! وهو نجاحهم في إرسال مسبار فضائي لاستكشاف كوكب المريخ. وأذكر الحماس العالمي (في تويتر) الذي صاحب نجاح المهمة بعد سنين من العمل والارتحال من الأرض إلى المريخ. وخصوصا أن التحكم في المسبار وإدخاله في مدار صحيح حول المريخ كانا مهمة بالغة التعقيد ونادرا ما تنجح فيها وكالات الفضاء من أول مرة، ولكن الهند فعلتها بسواعد علمائها وبمنتجات أرضها من أول مرة. علما بأن الوكالات التي تملك أقمارا تدرس المريخ هي أميركا وروسيا والصين ووكالة الفضاء الأوروبية.

وأذكر أن أحد الفضلاء في تويتر سأل عن (أو شكك في) فائدة تلك المهمة في ظل احتياجات الهند في مجالات الصحة والتعليم ومحاربة الفقر.

وهو سؤال يرد في ذهن الكثير من الناس. ولم يعلم السائل أن الهند تعمل منذ عقود على تصحيح أوضاعها وتطوير نفسها في كل المجالات «على التوازي». وأن مشروع مسبار المريخ كان جزءا من تلك العملية؛ إذ انطلق في الثمانينيات الميلادية بوصفه رؤية استراتيجية بعيدة المدى تحققت في أرض الواقع عام 2014م.

وجدير بالذكر أن تكلفة مسبار المريخ لا تمثل شيئا موازنة بنظيراتها الأوروبية. وأن الخبرة التي اكتسبتها وكالة الفضاء الهندية في التقنية عموما وتقنية الفضاء خصوصا لا تقدر بثمن. فلا شك أن بناء المسبار الرخيص ثمنا والفريد من نوعه صاحبه عدد من الابتكارات والحلول التي أصبحت جزءا من معارف الهند، وقد تكسب منها ماديا إن أرادت.

وأخيرا فإن الإثراء المعرفي الذي سيقدمه المسبار نفسه سيخلد في الكتب وتدرسه أجيال المستقبل، وهو حكاية ليوم آخر!

إن الفرص الموجودة في الفضاء لا يمكن حصرها. والدول التي تسبق غيرها في استكشاف الفضاء هي وحدها من ستستفيد من تلك الفرص. ومن الأمثلة شبه الخيالية: صيد الكويكبات! وهي أجرام سماوية موجودة بوفرة في المجموعة الشمسية، ونسمع أحيانا عن اقتراب بعضها من الأرض وعن خطر اصطدامها بنا!

ما لا يعرفه البعض هو أن الكويكبات تحمل كنوزا من المعادن الثمينة والمهمة. وأن بعض الدول -بقطاعاتها العامة والخاصة- تحاول ابتكار طرق لصيد الكويكبات واستغلال تلك المعادن وجلبها للأرض! وهذا مثال واحد من عشرات الأمثلة التي قد يضحك عليها البعض استهتارا، بينما يضحك الآخرون انبهارا بها!

Aالمشروعات تستغرق سنين وجهد مئات من العلماء المتخصصين، وجرأة السياسيين والمستثمرين، وطموحا لا يخشى الفشل ولا تحبطه العثرات.

أخيرا، الفضاء هو بحق مكان صعب، ولكنه جميل ومليء بالفرص… ويستحق من الإنسان أن يبذل الغالي لاستكشافه!

http://www.alriyadh.com/1142125

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *