من الطرق التي لا يشك عاقل أنها قد تسهم في توعية الناس بالعلوم وأهميتها وما يمكن أن تقدمه للمجتمع من معرفة أو تطبيقات، هو ما يسمى ب»علوم المواطن» Citizen Science، وهو مفهوم غائب عن مجتمعنا بوجه عام.
«علوم المواطن» هي طريقة تفتح المجال لعموم الناس للإسهام في مجريات البحث العلمي في أرض الواقع أو من خلال الإنترنت والجوالات. وخصوصا في جمع البيانات، أو مراقبة ورصد أحوال الشيء قيد الدراسة، أو المساعدة في وصف البيانات وتحليلها، أو حتى ربط كمبيوتر المواطن بجهة بحثية ليُستخدم جزئيا في معالجة البيانات الضخمة. ونظرا لإمكانية توزيع المهام على آلاف الناس؛ فإن المشاركين لن يشعروا بأي تأثير سلبي في أداء كمبيوتراتهم أثناء مساعدتهم للباحثين.
ولاحظوا أن مفهوم «علوم المواطن» يختلف عن النشاطات البحثية التي يكون فيها المواطن نفسه موضع الدراسة، كالمشاركة في استبانات وتقديم العينات.
أتصور أن وجود مشروعات علمية وطنية قائمة على فكرة «علوم المواطن» سيجذب كثيرا من الناس -كبارا وصغارا- للمشاركة فيها. وهذا من شأنه أن يساعد في التقدم العلمي وإنجاز الأبحاث، كما أنه يعزز الوعي والثقافة العلمية. ومن الأمثلة على تطبيق هذا المفهوم، هناك دراسة ألمانية تسعى لمعرفة تأثير التلوث الضوئي الليلي على البيئة وحياة الناس، إضافة إلى دراسة الطرق المثلى لإنارة المدن بهدف توفير الطاقة على الحكومات على مستوى العالم.
ويشارك في تلك الدراسة 10 آلاف شخص من مختلف أنحاء العالم -2% منهم من السعودية- عن طريق برنامج جوالات اسمه Loss of the night. وإحدى طرق المشاركة فيه تكون بمحاولة رصد بعض النجوم في السماء بمساعدة البرنامج، وبناء على إمكانية رؤية النجوم من عدمها يُقدِّر البرنامج مستوى الإضاءة غير الطبيعية في موقع المشارك ويرسلها للباحثين.
وهناك مئات الدراسات التي تقوم على مفهوم «علوم المواطن» وفي مختلف المجالات: كالفضاء والرياضيات، وتغير المناخ، والحياة الفطرية، والأشجار والنباتات، بل حتى دراسة الجسيمات النووية وما دونها. فضلا عن دراسات في تخصصات اجتماعية وصحية. وبإمكان أي شخص مساعدة هذه المشروعات البحثية بلا حاجة إلى معرفة التفاصيل الدقيقة التي تتطلب الدراسة والتخصص. وهذا يتيح للمواطنين الاستمتاع ببناء ثقافتهم العلمية -أو تشجيع أبنائهم وبناتهم على ذلك- وتقدير أهمية العلوم والأبحاث العلمية.
أما في المملكة، فأرى أن مفهوم «علوم المواطن» قد يُستخدم في الكثير من الأبحاث. مثلا، متابعة الأمراض، أو التلوث والغبار والمناخ، أو حماية الحياة الفطرية، أو التلوث الضوضائي، وغير ذلك من أفكار قد يبتكرها الباحث.
وهي فرصة عظيمة للباحثين والباحثات لينجزوا دراساتهم بمساعدة المواطنين. ولا شك أن هذا التفاعل سيقوي العلاقات ويزيد التفاهم بين العلوم والبحث العلمي عموما والمواطنين.
إن إتاحة الفرصة لعموم الناس للمشاركة في البحث االعلمي بهذه الطريقة ستخدم أهداف الدولة الممثلة في خطة العلوم والتقنية والابتكار، ونشر الثقافة العلمية، والتحول إلى مجتمع المعرفة. لأن إحدى إيجابيات مفهوم «علوم المواطن» هي تعزيز الثقافة العلمية، وهي التي تعد مطلبا ضروريا للتنمية.
أخيرا، وبناء على كل ما سبق، أدعو الباحثين والباحثات في الجامعات والمراكز البحثية والمسؤولين فيها إلى التفكير الجاد في استخدام «علوم المواطن» في الدراسات التي قد تستفيد منه. وأن تضيف الجهات المسؤولة هذا المفهوم إلى خطة العلوم والتقنية والتوعية العلمية في المملكة وأن تشجع تطبيقه. وبهذا نضرب عدة عصافير بحجر واحد!
http://www.alriyadh.com/1137753