قراءة في كتاب: لماذا يعدّ التطور حقيقة؟ ?Why Evolution is Ture

يشدك كتاب “لماذا يعد التطور حقيقة؟” من خلال عنوانه الجريء. ففضلا عن كون موضوع التطور مصدرا لكثير من الجدل حتى لدى الشعوب الغربية، فإن تأليف كتاب بهذا العنوان: التطور.. حقيقة!! أي ليست فرضية أو نظرية علمية قيد التحقيق، بل حقيقة! إنه بلا ريب عنوان يحوي إدعاءً قويا. و نظرا إلى اختصاص المؤلف في المجال، فإن مثل هذا الكتاب نتوقع منه أن ينطلق من منطلقات علمية أكاديمية بحتة، هدفها إثبات صحة التطور للقارئ بناء على أدلة علمية تجريبية، و إلا فلن يرقى الكتاب لجرأة عنوانه.

هذه قراءتي الشخصة للكتاب، حيث لخصت لك أخي القارئ الأفكار الرئيسية له، محاولا قدر استطاعتي أن أوضح ما يريد الكاتب إيصاله لنا في كل فصل. و كذلك وضعت رأيي الشخصي (بعد التلخيص) على مجمل أفكار الكتاب.

الكتاب (باللغة الانجليزية و لا توجد له ترجمة عربية) هو من منشورات مطابع جامعة أكسفورد، بنيويورك. ظهرت طبعته الأولى عام ٢٠٠٩م. و هو من القطع المتوسط حيث يتكون من ٩ فصول تقع في ٢٥٤ صفحة، و الكتاب ككل يقع في ٣٠٩ صفحات (تشمل الهوامش و قائمة المراجع، و القراءات الخارجية المقترحة، و الكشاف.)

مؤلف الكتاب هو البروفيسور جيري كوين Jerry A. Coyne، عالم التطور الجيني Evolutionary Genetics في قسم البيئة و التطور في جامعة شيكاجو بالولايات المتحدة الأمريكية. و هو باحث معروف و مؤلف لكتب هامة في المجال.

في مستهل الكتاب، يحكي المؤلف القصة التي دفعته إلى تأليف الكتاب. و هي قضية قانونية أخذت مجراها في ولاية بنسلفانيا في نهاية عام ٢٠٠٥ م، و كان طرفي القضية هما: ثانوية دوفر، و مجلس أولياء أمور المدرسة. حيث طالب الأخيرين باختيار كتب لمنهج الأحياء تكون مبنية على خلفية دينية (تحديدا أن تعلم الطلاب قصة الخلق كما هي في الكتاب المقدس)، أو أن تشير إليها ضمن المنهج العلمي بوصفها خيارا بديلا للوصف العلمي المرتكز على فكرة تطور المخلوقات. و كان رفض المدرسة لهذا الأمر سببا في رفع أولياء الأمور لقضية قانونية على المدرسة، و استمرت المحاكمة لبضع أسابيع، ثم انتهت برفض القاضي لطلب أولياء الأمور، و الإبقاء على المناهج التي تقتصر على الدراسات العلمية التجريبية فقط. مما اعتُبر نصرا للعلم، و لكنه في الوقت نفسه شغل كثيرا من العلماء لأن وجود مثل هذه القضايا في هذا الزمن له دلالة أن كثيرا من الناس يفتقرون للوعي بماهية هذه النظرية و آلية المنهج العلمي. و يبن الكاتب وجهة نظره أن هذه الحرب بين التطوريين (المؤمنون بالتطور) و الخلقيين (المؤمنون بالخلق، و من ضمنهم الباحثين في مجال التصميم الذكي ID) هي حرب بين العقل و الخرافة. و أن هدفه من هذا الكتاب هو سرد الأدلة على حصول التطور. (سوف أناقش هذه القضية بعد تلخيص مجمل أفكار الكتاب في فقرة النقد).

ثم يوضح في مقدمة الكتاب أنه حسب الإحصاءات في مختلف أنحاء العالم، فإن نسبة الرافضين لفكرة التطور بوصفها نظرية علمية تعد كبيرة نوعا ما (مثلا ٤٠٪ في أمريكا يرفضون التطور)، و هذا الرفض يصدر -بالإجمال- من منابع دينية. فهي -كما يرى- تدعي أن العلم بشأن وجود المخلوقات يستقى من الكتب المقدسة (مثلا يؤمن أصحاب الكتاب المقدس أن عمر الكون ١٠ آلاف سنة فقط! بناء على كتابهم المقدس!) و بالتالي فإنه يصعب عليهم قبول قول علماء الطبيعة أن أول إنسان -ليس إنسان مثلنا و إنما إنسان أكثر بدائية- ظهر قبل ٧ ملايين سنة!

و يعزو السبب وراء هذا الرفض إلى الخوف من خسارة قيمة الدين، أو معنى الحياة. فالإيمان بالتطور -كما يرى- يأخذ الإنسان إلى أفق جديد، حيث يتساوى فيه الإنسان و الحيوان و يتحد كلاهما مع هذه الأرض. و عليه فلا معنى لسمو الإنسان و لا للمكانة الخاصة التي يدعيها أهل الدين له، أو لحياته. (أيضا أناقش هذه القضية في نهاية المقال).

و يبين الكاتب أن هذا الرفض للتطور واقع على الرغم من كونه حقيقة علمية، فمعظم العلماء اليوم لا يشكون في صحة التطور. و لهذا فإن انتشار الرافضين له هو بلا شك مصدر قلق للمجتمع العلمي. و من هذا المنطلق، أراد المؤلف أن يضع في هذا الكتاب الأدلة العلمية الرصدية و التجريبية التي جمعها العلماء خلال أكثر من قرن، و هي التي تشير بشكل قاطع إلى حصول التطور للأنواع، و أن هذا التطور أخذ مجراه على مدى ملايين السنين، و أن آلية هذا التطور -عموما- هي ما تسمى بالاصطفاء الطبيعي. و يفرق المؤلف بين حقيقة حصول التطور، و نظرية الاصطفاء الطبيعي التي يجمع العلماء على أنها سبب حصول هذا التطور.

في الفصل الأول، و المعنون: ماهو التطور؟،

يبين الكاتب أن نظرية التطور يمكن تلخصيها في التعريف التالي: “الحياة في الأرض تطورت تدريجيا ابتداء من نوع بدائي واحد -يحتمل أن يكون جزيء ذاتي التناسخ- عاش قبل أكثر من ٣.٥ مليار سنة، ثم تفرع خلال الزمن لينتج عددا من الأنواع الجديدة و المختلفة، و الآلية التي تمت خلالها معظم (و ليس كل) التغيرات التطورية هي الانتقاء الطبيعي.”

من خلال هذا التعريف. نجد أن بنية هذه النظرية تعتمد على ستة أساسات: التطور، التدرج في التطور، الأصل المشترك، الانتواع، الاصطفاء الطبيعي، طرق أخرى للتطور (مثلا الانجراف الجيني).

و يوضح الكاتب أن ملاحظة الترابط بين مختلف الأنواع بدأ قديما. و كانت إحدى المراحل المفصلية هي مرحلة التقسيم الطبيعي للأحياء بناء على التشابهات التشريحية و غيرها. تحديدا، قام الأحيائي كارل لينوس (١٧٣٥م) بتقسيم المخلوقات بناء على الترابطات و التشابهات الأحيائية بينها، و لاحظ أنها تقع ضمن مجموعات هرمية. و وصل غيره من العلماء للتقسيم ذاته بشكل مستقل. و الجدير بالذكر أن هذه التقسيمات تتوافق مع ما يتنبأ به التطور.

و كان أول من قام بلم شمل المعلومات الموجودة مع الرصد في نظرية علمية هو داويين من خلال كتابه أصل الأنواع، الذي اقترح فيه أن آلية التطور هي الاصطفاء الطبيعي. و جدير بالذكر أن معاصره عالم الطبيعة ألفرد والاس اقترح الفكرة نفسها في الوقت نفسه تقريبا. غير أن داروين فصّل الفكرة أكثر في كتابه أصل الأنواع و حاول شرحها بشكل علمي أكثر دقة.

و يبين الكاتب أنه خلال الثلاثين السنة الماضية دخل علم الجينات في ضمن مجال النظرية و ذلك من خلال تحليل الدي ان اي DNA لمختلف الأنواع. و النتيجة هي أن علم الجينات يدعم التقسم الطبيعي الذي يعد أحد أركان التطور.

و هنا يتعرض الكاتب  لمفهوم النظرية العلمية لكي يزيل اللبس من أذهان بعض القراء الذين قد يرددون جملة: هي مجرد نظرية! إذ يفرق الكاتب بين مصطلح النظرية العلمية و النظرية كمعنى عام. حيث إن النظرية بمعناها العام قد تشمل تخمينات لا أساس لها أو لا يمكن اختبارها، أو فرضيات مبنية على أسس هشة. بينما النظرية العلمية هي بنية متكاملة من الفرضيات و الروابط التي يتم (أو يمكن) اختبارها تجريبيا و بناء على التجربة و الرصد تصل بعض النظريات العلمية إلى مرتبة حقيقة طبيعية. مثل نظرية آينشتاين العامة للجاذبية. و هكذا -كما يوضح الكاتب- تعد نظرية التطور حقيقة علمية لدى العلماء اليوم، و ذلك بناء على اجتيازها لاختبارات الرصد و التجربة. و يوضح الكاتب أنه إذا جاء يوم ما و تم إيجاد دليل علمي ينقض النظرية فإن المجتمع العلمي سوف يتقبل ذلك و سوف يبدأ العلماء في البحث عن نظرية أو نظريات أخرى و اختبارها تجريبيا -و لكنه أمر مستبعد حاليا بالنسبة لنظرية التطور التي تستند على أسس تجريبية و رصدية صلبة-.

أيضا يعرج على تنبؤات النظرية و هي:

  • وجود الأحفورات يجب أن يعطي أدلة على التطور. بحيث تكون طبقات الصخور الأقدم تحوي أحفورات لمخلوقات أكثر بدائية، و كلما كانت الصخور أحدث كلما أصبحت الأحفورات تمثل مخلوقات أكثر تعقيدا إلى أن نصل إلى المخلوقات الحديثة. أيضا يجب أن نرى تغير بعض الأنواع و نشوء سلالات (نسل) جديدة لها معدلة (تكيفات).
  • يجب أن نجد حالات انتواع في الأرشيف الأحفوري حيث ينفصل أحد خطوط النسل إلى نوعين جديدين أو أكثر. كذلك يجب أن نجد حالات انتواع في الطبيعة.
  • يجب أن نجد أنواع تجمع بين نوعين أساسيين. مثلا بين الطيور و الزواحف. و يجب أن تكون هذه الحلقات المفقودة (الأشكال التحولية) موجودة في الطبقات بين الأقدم و الأحدث.
  • يجب أن نجد تغيرات جينية للعديد من الخصائص في الأنواع، و إلا فإن التطور لا يمكن أن يحدث.
  • يجب أن نجد تصاميم غير مكتملة. أي تكيف غير مكتمل (و بهذا يعارض فكرة الخالق).
  • يجب أن نكون قادرين على رصد الاصطفاء الطبيعي في الطبيعة.

لكن الكاتب و من خلال خلفيته كملحد، يعارض فكرة الخلق بالكلية. و هذا الأمر ينبغي أن يدركه القارئ. و تحديدا هو أن الكاتب يعيب عليه أنه يخلط بين الحقائق العلمية المكتشفة و وجهة نظره الشخصية بعدم وجود خالق. و سنناقش هذه القضية بعد تلخيص الفصول.

في الفصل الثاني، و المعنون: مكتوبة في الصخور،

يبدأ الكاتب في سرد الأدلة الأحفورية على صحة التطور.

حيث كانت الأحافير التي يكتشفها الإنسان لا تفسر علميا و ذلك حتى القرن التاسع عشر. و لكن علم الإحاثات (دراسة المتحجرات و الأحفورات للمخلوقات الحية الموجودة في عصور سابقة) أخذ في اكتشاف أنواع جديدة، و بفضل تطور العلوم إجمالا من فيزياء و كيمياء و جينات لاحقا، أصبح بإمكان العلماء تصنيف تلك الأنواع و دراستها و تقدير أعمارها بطرق علمية فيزيائية و بيولوجية، و بالتالي الخروج بنتائج و استنتاجات تزيد معلوماتنا و معرفتنا بالأنواع القديمة و كيف يرتبط بعضها ببعض.

و لكن، لأنّ تكوّن الأحافير يحتاج إلى ظروف خاصة لا يسهل توفرها في عموم الأرض، فإن نسبة ما وجده العلماء حتى الآن لا يتجاوز١ إلى ٥٪ من مجمل الأنواع و تاريخها. (ما يملكه العلماء الآن هو ٢٥٠ ألف نوع تتراوح أعمارها من ٥٣٠ مليون سنة إلى الوقت الحالي، بينما يقدر العلماء أن مجمل الأنواع يتراوح بين ٧٠٠ مليون إلى ٤ مليارات نوع). و اليوم، يوجد ١٠ ملايين نوع، و هي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الأنواع التي مرت و انقرضت على مر التاريخ.

ثم يستعرض مفهوم الحلقة المفقودة، و يبين أنه من الصعب إيجاد الجد الذي حدث من خلاله الانفصال بين نوعين؛ كونه جد مشترك “واحد”؛ فالمرجح أنه يستحيل إيجاده أحفوريا (لندرته و ليس لعدم وجوده)، و لكن، هذا لا يعني أنه لا يمكن إيجاد أنواع تحمل خصائص مشتركة بين نوعين أساسين منفصلين. و يضرب المؤلف مثالا على ذلك، و تحديدا صلة القرابة بين الطيور و الديناصورات، حيث تم إيجاد أحفورة ما يسمى بـ Archaeopteryx، و هو زاحف يملك بعض صفات و خصاص الطيور.

كذلك يستعرض أمثلة هامة أخرى، مثل اكتشاف ما يسمى بـ Tiktaalik عام ٢٠٠٤، و هي أحفورة عمرها ٢٧٠ مليون سنة، و هي سمكة تتنفس بطريقتين (في البحر و في الهواء)، و لها شبه زعنف و شبه يد. و هي تمثل مرحلة انتقالية بين نوع من الأسماك كان موجودا قبل ٢٨٠ مليون سنة، و بين نوع من الزواحف البرمائية كان موجودا قبل ٢٦٠ مليون سنة. إذن فهي تقع في الزمن المناسب بين النوعين، و لها خصائص مشتركة بين الاثنين.

كذلك تطور النمل من الدبور، حيث تم إيجاد ما يسمى بـ Sphecomyrma Freyi بعمر ٩٢ مليون سنة، و هو يحمل خصائص بين الاثنين. و غيرها مئات الأمثلة على اكتشافات تؤكد وجود أشكال انتقالية لها خصائص بين نوعين، و جميها تقع في الفترة الزمنية بين النوعين الذين تطور أحدهما عن الآخر.

و من خلال الأحافير نتعلم ثلاث أشياء:

  • نرى تغيريا تدريجيا في نسل نوع ما، و من ثم انفصال النسل، و نجد أشكالا تحولية بين مختلف المخلوقات.
  • الأشكال التحولية توجد في الزمن و المكان المناسب.
  • التطور (على المستوى الكبير) يتم على شكل تعديلات و إعادة نمذجة القديم إلى جديد (أي أن التطور لا يظهر فجأة).

أما الفصل الثالث المعنون بـ: البقايا (الآثار): الأعضاء الآثارية، الأجنة، و التصميم السيء.

و هو يناقش أدلة التطور على مستوى الجينات و تكون الجنين، و يناقش مسألة وجود تصاميم لا يمكن تفسيرها إلا من خلال التطور.

الفكرة الأساس هي أن الأعضاء بها آثار الماضي التطوري. فمثلا هناك أعضاء تغيرت وظيفتها (فقدت وظيفتها التي تطورت من أجلها في الأصل): و ضرب أمثلة على ذلك: الجناح في النعام، و الطيور التي فقدت قدرتها على الطيران Kakapos و هي التي تعيش في جزر لا يوجد بها ثديات أو زواحف. و الزائدة الدودية لدى الإنسان (حتى و إن اكتشف لها فائدة ضئيلة، فإنها كانت موجودة لتهضم بعض المواد الموجودة في أوراق الشجر)، و كذلك الحيوانات التي فقدت نظرها، و كلها تعيش تحت الأرض، أو في الكهوف Cave-Dwellers1. و كيف أن بعضها، مثل Blid Mole، لها أعين صغيرة اختفت تحت طبقة جلدية ظهرت فوقها.

أيضا يناقش قضية أخرى و هي ما يعرف بالتأسل: و هو الوراثة بعيدة المدى، حيث إن المخلوقات بها جينات تحمل صفات لأجداد قديمة. و ضرب مثالا نادرا يحدث في البشر. فالإنسان يحمل ما يقترب من ٢٠٠٠ جينا ميتا (غير فعال)، و لكن، بعض هذه الجينات قد تعود للعمل “تستيقظ” فجأة لتؤدي إلى نشوء صفة/خاصية قديمة. مثلا تحدث حالات نادرة جدا لمواليد يولدون و لهم ذيل (Atavistic tail in humans)! و لا تعد هذه الحالة مجرد طفرة جينية لا معنى لها، لأن الإنسان يحوي “الكود/الجين” الخاص بوجود ذيل شبيه بذلك الجين الموجود لدى الفئران، و لكنه معطل في الإنسان. أيضا أرجل الحيتان، و الخيل ذو الحوافر الإضافية، حيث إن سلفه، و هو Merychippus الموجود قبل ١٥ مليون سنة، له ثلاثة حوافر كما تثبت الأحافير المكتشفة.

و في نقاشه عن الجينات، تطرق إلى وجود نوع من الجينات في الإنسان، كان قد أتى عن طريق فيروسات، لأن الفايروسات قادرة على تعديل الجينات. و تسمى هذه الحالة endogenous retroviruses. و تبين وجود أنواع من تلك الجينات في كل من الإنسان و الشامبانزي على السواء. و هي دلالة أن فايروسا ما قد أصاب جدا مشتركا للإنسان و الشامبانزي!

ثم يتطرق إلى مسألة الأجنة (من الجنين و ليس الجينات)، و يبين أنه عند نشأة جنين الإنسان يتكون له Yolk-sac، و هي حافظة لصفار البيض في المخلوقات التي تبيض، و لكنه معطل و يختفي لدى الإنسان -أي يُـمتص خلال نشوء الجنين-. و هو موجود لدى كل من الزواحف القديمة و الطيور.

أيضا تحدث عن مراحل تطور الجنين، و تحديدا الجزء المسمى بالـ arches (العقود قنطرية!) لدى جنين الثديات، و الذي يمر أثناء تطوره بمراحل، تبدأ بشكل يشابه السمك ثم تتطور إلى مرحلة مثل تلك التي تتطور إليها الزواحف ثم تنتهي متطورة كما في بقية الثديات، ثم يتطور الجنين إلى شكل نوعه. و الإنسان الجنين يتكون في مرحلته الجنينية ثلاثة أنواع من الكليات،  تختفي اثنتان و كلاهما تشبه تلك الكلى التي لدى الـ Jawless fish و الزواحف.

مختصر هذه النقطة هو أن الأنواع ترث طريقة نشوء أسلافها جينيا. ففي الإنسان، تتكون طبقة شعر تسمى Lanugo قبل الولادة. و نوع الحيتان Baleen Whales تتطور له أسنان في مرحلة النمو الجنيني ثم تختفي قبل الولادة. و الدلافين تطور أرجلا ثم تختفي قبل الولادة. و المقصود بتختفي أنها تمتص في الجسم.

أما الفصل الرابع و المعنون بـجغرافية الحياة،

و يتمحور حول فكرة أن تغير جغرافية الأرض، بالإضافة إلى جغرافية الأحياء تؤكد فكرة التطور. فمثلا، اليوم لا توجد ثديات جرابية (مثل الكنغر) سوى في أستراليا. مع ذلك تم إيجاد أحفورات لثديات جرابية في أمريكا الشمالية (و هي أقدم من تلك الموجودة في أستراليا!). هذا الأمر جعل العلماء يتنبؤون بوجود أحفورات لثديات جرابية في القطب الجنوبي (لأن قارة أمريكا كانت متصلة مع أستراليا من خلال القطب الجنوبي، كما يؤكد علم الجيولوجيا). و خلال الرحلات الاستكشافية إلى القطب الجنوبي، تم بالفعل إيجاد أحفورات لحيوانات جرابية أعمارها تقع بين فترة الأحفورات القديمة في أمريكا و الجرابيات في أستراليا!

كذلك، فإن الجزر المحيطية (التي لم تكن يوما ما ضمن صفائح الأرض) لا يوجد بها سوى طيور و نباتات، فلا زواحف و لا ثديات أو برمائيات. و هذا وارد لأن الطيور و بعض الحشرات يمكن أن تطير و أما النباتات فهي إما تنقل من خلال أن تعلق بذورها في الطيور و هكذا. و إذا ما وجدت زواحف فهي تكون زواحف قادمة من جزر قريبة. (هذه النقطة يريد الكاتب أن يقول، أن فكرة التوزع الجغرافي للأحياء على مر العصور يتوافق مع ما تتنبأ به نظرية التطور).

هناك أمر هام جدا يدل على التطور، و هو يرتبط بفكرة الاصطفاء الطبيعي. إذ نجد تشابها ظاهريا بين مخلوقات لا تمت إلى بعضها بصلة (أي تعد أنواع مختلفة) و لكنها تكون قد تعرضت لظروف بيئية متشابهة، و إن كانت تعيش في أماكن متباعدة. و تفسير هذا التشابه هو ما يسمى بـ Convergence Evolution، و هو أن كلا المخلوقين سوف يتعرضان لنفس ظروف الاصطفاء و بالتالي يكوِّنان صفات تكيفية متشابهة على الرغم من الاختلاف الجوهري بين النوعين.

و ناقش نقاط أخرى، منها أنه في بعض الجزر المحيطية التي تحوي نوعا من طيور الحسون، وُجد أن تلك الطيور تتقاسم الأدوار البيئية كما لو كانت مخلوقات مختلفة تماما.

الفصل الخامس و المعنون بـ: ماكينة التطور،

و الذي هو الاصطفاء الطبيعي، حيث يتولى هذا الفصل شرحه و التفصيل فيه.

و من الأمثلة الرائعة التي يضربها المؤلف هو الدبور الياباني الضخم -الذي يعد بحق آلة قتل- و نحل العسل الأوروبي المستقدم إلى اليابان، و نحل العسل الياباني. حيث إن نحل العسل الأوروبي يقف عرضة للهجوم و الخطر و لا يستطيع أن يدافع عن نفسه و خليته. بينما نجد أن نحل العسل الياباني قد طوروا طريقة لمقاومة الدبور الضخم.

هذا تحديدا ما يسمى بالتكيف. و هو أن كل مخلوق يبدو و كأنه معد للبيئة التي يعيش فيها -كما يعبر الكاتب-. و بالنسبة لمن ينفي أن الاصطفاء الطبيعي هو سبب التكيف؛ فإنهم يضعون أنفسهم في مأزق عندما نجد أمثلة لتكيفات حديثة قابلة للرصد. لهذا فإن التفسير العلمي لهذا التكيف هو الاصطفاء الطبيعي. و يطرح المؤلف سؤالا غاية في الأهمية و هو: كيف نعرف أن الاصطفاء الطبيعي هو سبب التكيف؟ و يجيب بتبيان أن الاصطفاء ليس آلية خارجية تأخذ مجراها فجأة، بل هي عملية تصف الحقيقة الظاهرة و هي أن الجينات التي تنشئ تكيفا أفضل؛ تصبح أكثر مع الزمن. و التكيف ليست عملية اختيارية بل إنها عملية تلقائية لازمة إذا كان النوع لديه تغيرات جينية كافية.

باختصار، هناك ثلاث أمور لازمة لحدوث التكيف عن طريق الاصطفاء الطبيعي و هي:

  • وجود تغيرات في النوع.
  • أن تكون هذه التغيرات جينية.
  • يجب أن يكون هذا التغير (التغيرات) له علاقة باحتمالية تكوّن النسل لكل فرد من أفراد النوع ذاته.

إذا وجد كل هذا، و وجدت الظروف المناسبة فإن الاصطفاء الطبيعي يأخذ مجراه. فعلى الرغم من أن التحورات الجينية تحدث صدفة، إلا أن الاصطفاء الطبيعي بعيد كل البعد عن الصدفة. بل هو كما يصفه العالم ريتشارد داوكنز: لا عشوائية نجاة التغيرات العشوائية!

ثم يعرج الكاتب على التطور بغير الاصطفاء، و هو ما يسمى بالتغير العشوائي في تردد الجين عبر الزمن، أو Genetic Drift، أو الانجراف الجيني. و يوجد جدل بين البيولوجيين حول أهمية كلا الاثنين.

أيضا في هذا الفصل يتناول قضية غاية في الأهمية و هي مشاهدة التطور. و بالتأكيد فإنه من الصعب جدا مشاهدة التطور من خلال الاصطفاء الطبيعي كون هذه العملية تتطلب ملايين السنين. و لكن في المقابل فإنه يمكن أن نرى تطورا من خلال ما يسمى بالاصطفاء الاصطناعي. مثلا، الكلاب المهجنة تفرعت خلال أقل من ١٠ آلاف سنة إلى أشكال و أجحام و وظائف مختلفة اختلافا شديدا. أيضا طير التركي Turkey الذي من ضخامة صدره (بسبب الاصطفاء الاصطناعي) أصبح لا يمكن لذكورها تخصيب إناثها! أيضا في مجال النبات و انقسام ما يسمى بـ Wild Cabbage إلى خمسة خضروات مختلفة.

و يتطرق كذلك إلى التطور داخل المختبرات، مثلا التجربة الأطول و هي تجربة Lenski التي بدأت عام ١٩٨٨م حيث تحققت فيها الشروط الثلاث للتطور (وجود تغيرات جينية، و وراثة، و تكاثر يؤدي إلى بقاء الأنسب).

هناك نقطة مهمة جدا، و هي أن الاصطفاء لا يخلق خصائص جديدة، و إنما ينتج “تكيفات” جديدة من خلال تعديل خصائص موجودة سابقا. و من أهم التجارب التي تبين الانتواع (انقسام نوع إلى نوعين جديدين) هي تجربة Pual Rainey على بكتيريا Pseudomonosl Fluireses.

و من أهم الأمور الدالة على حدوث التطور من خلال التحور الجيني و حدوث الاصطفاء هو: مقاومة الأدوية و السموم. مثلا، ٩٥٪ من بكتيريا Staph أصبحت تقاوم البنسلين اليوم. و غيرها الكثير من الأمثلة على بكتيريات أصبحت تقاوم كل أنواع العلاج الذي وضع ضدها. و أهم نقطة هنا هو أن مقاومتها هذه نشأت بسبب نشوء تحورات جينية مفيدة، و ظروف مناسبة سمحت للاصطفاء الطبيعي أن يأخذ مجراه بأن تنجو البكتيريا المقاومة للمرض، و بالتالي نشوء أجيال تقاوم المرض.

أيضا يتناقش التطور على المستوى الكبير حيث يضرب مثالا على الحسون المسمى Medium Ground Finch و الموجود في جزر Calapagos، حيث بتغير ظروف الأكل نشأ جيل له منقار أطول من سلفه بـ ١٥٪ و جسم أكبر كذلك. و قد لاحظ ذلك مجموعة Peter and Rosemary من جامعة برنستون حيث بدأت الدراسة عام ١٩٧٧م.

و يختم الفصل الخامس بمناقشة قضية محورية أخرى: و هي إمكانية أن يكون الاصطفاء الطبيعي سببا في تطور تكيفات معقدة مثل العين و دماغ الإنسان و غيره! فعلى الرغم من عدم وجود إجابات مباشرة؛ غير أن النماذج الرياضية و الوقت الطويل و عدم وجود تكيف لا يمكن أن يفكك إلى سلسلة تكيفات تتوافق مع الاصطفاء الطبيعي، كل ذلك يدل، جنبا إلى جنب مع الانجراف الجيني؛ على حدوث التطور التكيفي Adaptive Evolution. و يختم الفصل بمجادلة ضد التصميم الذكي و فكرة الخالق!

أما الفصل السادس، و المعنون: كيف يقود الجنس التطور؟

و تتمحور فكرة الفصل في ملاحظة أن الذكور تخوض مصاعب لجذب الإناث و لها خصائص تطورية تقلل من احتمالية النجاة. و هذا تحديدا قد يؤخذ على أنه فكرة تخالف التطور. على سبيل المثال، فإن الطاووس له ذيل طويل يقلل من قدرته على الطيران و بالتالي الهرب من الحيوانات التي قد تفترسه. و لكن، تبين أن هذه الخاصية قد يكون لها علاقة قوية بإنجذاب الإناث لهذا النوع من الطاووس و بالتالي فإن هذا الطاووس له احتمالية تكوين نسل أكبر من غيره. إذن اختلاف الذكر عن الأنثى و هو ما يسمى بـ Sexual dimorphism، مقاد من خلال ما يسمى بالاصطفاء الجنسي. حيث إن الاصطفاء الجنسي يؤدي إلى زيادة الخصائص التي تزيد احتمالية التناسل، و لكنها تقف عندما تصبح في المدى الذي قد يعرض النوع إلى الفناء. إذن مسألة توازن.

و يتناول في هذا الفصل طرق تنافس الذكور على الإناث و أنها نوعين: طريقة مباشرة، و هي التنافس الجسدي، و طريقة غير مباشرة و هي أن الذكر يحتوي على خصائص جذابة مثل الطاووس أو بعض أنواع الطيور و الأنواع الأخرى. و هذه المسألة تحديدا ليست معلومة بشكل قاطع، و إنما تحتمل عدة تفسيرات. أهمها هو أن سبب تنافس الذكور على الإناث هو اختلاف الحيوانات المنوية في الذكور ذات الوفرة الكبيرة، عن البويضات ذات الندرة، فضلا عن أن الأنثى هي التي ترعى الجنين طوال فترة نشأته. و لكن بغض النظر عن التفاصيل التي يمكن أن تتغير من فرضية لأخرى إلا أن كل تلك المعطيات تؤدي إلى التطور!

و الدليل على أن الأمر يرتبط بالاصطفاء الجنسي، هو أن الآية تنعكس إذا ما كان الذكور هم من يحملون الجنين (مثلا حصان البحر) و أمثلة أخرى، حيث حينها يتنافس الإناث على الذكور. و هو ما يؤيد فكرة التطور أيضا عن طريق الاصطفاء الطبيعي.

الفصل السابع، و المعنون: أصل الأنواع،

هو من أهم الفصول حيث يبين في بدايته فشل داروين في كتابه أصل الأنواع في تفسير ما يسمى بالتقطع (عدم الاتصال) بين الأنواع على الرغم من أن التطور عملية استمرارية (غير متقطعة) مما يبدو و كأنه يخالف التطور! و لكن اليوم و بوجود كل الوسائل العلمية المتاحة بيد العلماء، فإن تفسير هذا التقطع (الانتواع) أصبح في متناول اليد!

و التعريف المقبول للنوع (إجابة كيف نميز بين نوع و آخر؟) هو: مجموعة من نوع محدد قادرة على التكاثر، و تكون معزولة تكاثريا عن مجوعات أخرى. و الانتواع على ضوء هذه النظرية هو صدفة تطورية (نتاج جانبي)، و يشبهه المؤلف باللغات و انفصالها عن بعضها. (مثلا، الانجليزية و الألمانية لهما أصل مشترك و لكنهما اليوم لغتين مستقلتين و لا توجد لغة أو لغات بينهما!)

و يفسر هذا الانتواع عن طريق نظرية الانتواع الجغرافي. و هي التي تشير إلى أن الانعزال الجيني بين الأنواع يجب أن يسبقه انعزال جغرافي. و هذا الانعزال الجغرافي و وجود وقت كاف (مثلا ٣.٥ مليون سنة) قد يؤدي -بناء على النماذج الرياضية- إلى نشوء أكثر من ١٠٠ مليون نوع (حاليا يوجد ١٠ مليون نوع).

أما فكرة الانفصال التكاثري و أنها نتيجة صدفة للتطور، فيمكن اختبارها تجريبيا في المعمل على الذباب مثلا.

و في هذا الفصل يتحدث أيضاعن قضية مهمة يرد بها على من يرفض فكرة الاستدلال على الانتواع من خلال الأحافير. و الرد هو أن البناء التاريخي لعملية ما؛ يعد طريقة مقبولة علميا و قادرة على وضع تنبؤات يمكن اختبارها.

لكنه أيضا يوضح وجود حالات نادرة جدا لحدوث انتواع في نفس المنطقة الجغرافية. و يعتبر أن ندرة هذا الحدث -و إن كان لا يوجد لها تفسيرا- دليل مؤيد للتطور.

أيضا تحدث عن نوعين خاصين من الانتواع يمكن رصدهما خلال حياة الإنسان. و هي مرتبطة بالنباتات التي تتكاثر لا جنسيا حيث ناقش على سبيل المثال نوعين من النباتات -في الأصل مختلفين و ليس بينهما تزاوج- و لكن لأسباب ترتبط بحدوث حدث نادر و هو اختلاف عدد الكروموسومات في النسل، قد يصبح بالإمكان تزاوجهما و بالتالي إنتاج نوع نباتي جديد بالكلية.

أيضا هناك حيوان ثديّ واحد Red Viscacha Rat في الأرجنتين هو نتاج نوع من الانتواع يسمى Polypoild speciation. و أتم الفصل بضرب مثال على خمس أنواع أشجار جديدة نتجت بهذه الطريقة.

أما الفصل الثامن، و المعنون: ماذا عنّا؟،

فإنه يتناول تطور الإنسان تحديدا. و يبدأ بعرض حقيقة أن داروين اقترح أن أصل الإنسان هو أفريقيا لأنه بناء على التطور فإن أقرب مخلوقات لنا هي الشمبانزي و الغوريلا، و هي موجودة في أفريقيا. و لكن هذا الزعم ظل بلا دعم أحفوري، و لكن عام ١٩٢٤م تم اكتشاف حلقة مفقودة (شكل انتقالي) أعلن عنه بروفيسور Dart في جنوب أفريقيا، و سمى الأحفورة بـ Taungs Child, Southern ape-man. و قد وجدت غيرها من الأحفورات بأعمار و أشكال مختلفة تؤيد كلها فكرة (أو حقيقة) تطور الإنسان. و هي تشمل إنسان Neanderthal، و Homo Erects الذي وجد له أحفورة في عام ١٨٩١م. و مثلها أحفورة Lucy التي وجدت عام ١٩٧٤م. و قد ناقشها المؤلف بالتفصيل لاحقا.

و الخلاصة، هي أننا نقع ضمن ما يسمى بالقرود العظمى. و قد انفصلنا عن الشمبانزي و البنوبو Bonobo قبل ٧ ملايين سنة. و مما يؤكد ذلك الأحافير و كذلك الاختلاف الجيني بيننا. حيث إن التشابه بين DNA الإنسان و الشمبانزي هو ٩٨.٥٪.  و قد تغير الإنسان أكثر مما تغير القرد المعاصر. مثلا جمجمة القرود تقع في متوسط ٤٥٠ س س (سنتيمتر مكعب)، بينما متوسط حجم دماغ الإنسان هو ١٤٥٠ س س.

و من خلال الأحفورات يبدو أنه يوجد على الأقل أربعة أنواع قريبة من الإنسان عاشت في أفريقيا لكنها انقرضت. و الواقع أن الأحافير تبين وجود ٢٠ نوع من الـ Hominini أو أشباه البشر، على مدى الـ ٧ ملايين سنة السابقة.

و أهم الأنواع المكتشفة -من الأقدم للأحدث- من خلال الأحفورات هي: نوع Sahelanthropus و عمره ٦ إلى ٧ ملايين سنة و قد وجد في عام ٢٠٠٢م في تشاد. بعده يأتي ما يسمى بـ Orrorin Lugenesis و عمره ٦ مليون سنة. و لكن، لم يتم العثور على أحافير -حتى الآن- لأشباه الإنسان في الفترة ما بين ٦ إلى ٤ ملايين سنة سابقا! ثم Lucy التي كانت موجودة قبل ٣.٢ مليون سنة (و هي تمشي على قدمين) و أيضا من نفس نوعها Laetoli footprint.

و لوسي تحديدا هي مثال جميل على الشكل التحولي. حيث إنها من أعلى تبدو أقرب إلى الشمبانزي، و من الصدر تبدو خليطا بين الإنسان و الشمبانزي و من الأسفل مثل الإنسان (و الحديث هنا عن خصائص هيكلها العظمي و ليس شكلها الخارجي لأنه غير معروف). و هذا يدل أن الإنسان طور قدرته على المشي قبل ازدياد حجم عقله. و قد يكون التفسير لذلك هو أن إطلاق شبه الإنسان ليديه ساعده لاحقا في صنع الأدوات و بالتالي الحاجة إلى تطوير قدرات عقله أكثر. و لكن هذا يظل مجرد تخمين. أما التطور فهو مرصود أحفوريا و لا مجال للشك فيه -كما يؤكد الكاتب-.

بعد ذلك، نأتي إلى الـ H. Erectus قبل ١.٩ مليون سنة  إلى قبل ١٠٠ ألف عام. ثم Archaic H.  Spines يظهر قبل نصف مليون سنة و يعيش في ألمانيا و اليونان و فرنسا و أفريقيا، و كذلك Neanderthal Man و قد ظهر قبل ٢٥٠ ألف سنة في كل من أوروبا و الشرق الأوسط (و له أدمغة كبيرة)، و قد يكون أول من دفن أشباهه. و قد اختفى -بالكلية- فجأة قبل ٢٨ ألف سنة، و لا يُعرف ما هو السبب وراء ذلك!

هناك نظريات تحاول تفسير ما الذي حصل لهذه الأنواع، فهناك نظرية تقول أن كل من النوعين H. Erectus و Neanderthal تطورا باستقلالية إلى الإنسان المعاصر H. Spines عن طريق الإصطفاء الطبيعي.

و هناك نظرية أخرى و هي تلقى تأيدا أكبر و هي أن الإنسان المعاصر H. Spines تطور في أفريقيا و خرج و صفى جميع نظرائه!! و تسمى هذه النظرية Out of Afica Theory “نظرية الخروج من أفريقيا”. و لكن كلاهما مجرد تخمين و ليس نظرية علمية قابلة للاختبار.

و في هذا الفصل، يبين المؤلف أن علماء الأحياء لا يعرفون ما الذي قاد تطور الإنسان، فكل هذه التكيفات المعقدة، مثل الوقوف على قدمين، و إعادة تشكيل الجمجمة، و الأسنان الأصغر، و غيرها، كلها تكيفات معقدة. و توجد افتراضات عديدة تحاول أن تفسرها لا نعلم أيها أصح و لكن بغض النظر عن هذه التفاصيل فإن حقيقة تطور الإنسان لا يمكن تلافيها من خلال الأحفورات و الجينات و التوزع الجغرافي.

و في هذا الفصل عرج من جديد إلى مسألة التشابه الجيني الكبير بين الإنسان و الشمبانزي، و بين أنه على الرغم من أن الذي يظهر من نسبة التشابه بين جينوم النوعين أنهما متشابهين جدا إلا أن الأمر عكس ذلك. فأكثر من ٨٠٪ من جيناتنا تختلف عن جينات الشمبانزي على الأقل بتحور واحد. فضلا عن اختلافات جينية أخرى.

و يختم الفصل بنقاش مسألة الأعراق البشرية، ليؤكد أنه علميا لا يوجد فرق يذكر بين عرق و آخر و أن اختلافاتهم الظاهرية و إن بدت متباينة إلى حد كبير إلا أنها لا تمثل فرقا جوهريا، مثلا في الذكاء! و لكنه أيضا يبين أننا نحن أنفسا تطورنا، فهناك بشر لديهم Lactose  tolerance “تحمل اللاكتوز” و هو القدرة على الاستفادة من السكر الموجود في الحليب. و قد طوروا هذه الصفة لأنهم كانوا في الأصل رعاة بقر. بينما أوجد تحليل DNA لبشر عاشوا قبل ٧٠٠٠ سنة في أوروبا عدم تحملهم للاكتوز و ما زال كثير من البشر ليست لديهم القدرة على هضم سكر اللبن بعد سن النمو.

أما الفصل التاسع، و المعنون: التطور عائد،

فهو فصل فلسفي نوعا، فالمؤلف يبدي أسفه من أن الأدلة على التطور هي أدلة قاطعة و إن اختلف على بعض التفاصيل، غير أن كثيرا من الناس لا يؤمنون بها خوفا على أديانهم أو الأخلاق و ما إلى ذلك. و يجادل المؤلف أن عدم الإيمان بخالق لا يعني بالضرورة فقدان الأخلاق، و أن بعض السلوكيات البشرية لها تفسير تطوري و إن كان يعترض إجمالا على كثير من الأبحاث التي تحاول ربط و تفسير كل شيء من الأخلاقيات و السلوكيات بالجينات! و أيضا يؤكد أن شيوع فكرة أن: جيني أي لا يتغير، و هي فكرة خاطئة بدليل كل القوانين و الأنظمة التي سنها الإنسان في العصر الحديث و التي أخذت مجرها في مدة ليست ضمن حدود التغيرات التطورية. و بالتالي فإن الإنسان قادر على تدبير نفسه و البقاء أخلاقيا إن آمن و اعترف بالتطور.

و هذا الفصل تحديدا، ينبع من وجهة نظر الكاتب بوصفه ملحد. ففي النهاية، فإن المؤمن بالخلق يستطيع أن يؤمن بالنظرية و حقائقها بشكل يتوافق مع دينه بالكلية. و لكن عندما يُدخل بعض المتدينين أنفسهم بين ثنايا البحث العلمي بوصفهم وصاة أو أن لديهم القول الأصوب بشأن قضية علمية ما، فهنا يقع الجدل العقيم بينهم و بين العلماء و خاصة الملحدين منهم.

نقد

لقد نجح المؤلف في سرد الأدلة العلمية التي جعلت العلماء واثقين تمام الثقة من حصول التطور و أن آلية هذا التطور هو الاصطفاء الطبيعي. و ذلك من خلال سرد مختلف الأدلة التي تقع ضمن مجالات علمية بحثية مختلفة. بدأها بعلم الإحاثات و دراسة الأحافير. حيث بين أن السجل الأحفوري يُـمَكِّننا من أن نكون شهداء على حصول التطور. و بعد ذلك، ناقش أدلة التطور من خلال علم الجينات، و تطور الأجنة، و التصميم التدريجي للأنوع و أن كل هذه التصاميم مرتبطة ببعضها. و كذلك ناقش مجال التوزع الجغرافي للأحياء، و بين أن التوزع الموجود اليوم يؤكد حصول التطور. و الكتاب مليء بالأمثلة المباشرة و بالإشارات إلى دراسات علمية هامة. مما يساعد القارئ للرجوع إليها إذا ما أراد مزيدا من التأكد أو الاطلاع.

من أهم الإيجابيات التي نجدها في هذا الكتاب: دقة الكاتب و وضوح أسلوبه و أفكاره. و مناقشته الأكاديمية للأدلة التي أشار إليها. و كذلك، طرحه للأسئلة المفتوحة في المجال (أي الأسئلة التي لا يعرف لها العلماء إجابة في الوقت الحالي) بكل شفافية.

كذلك من محاسن الكتاب، وضع المؤلف لروابط و قائمة لكتب مرجعية و مصادر في الانترنت لمن أراد الاستزادة في مختلف المجالات التي ناقشها. و أيضا قائمة لأهم مراجع أصحاب الفكر المنهاهض -أي ضد- التطور لمن أراد الاطلاع على آراءهم و حججهم.

و لكن الكاتب -و هذه هي النقطة السلبية الوحيدة في الكتاب من وجهة نظري-، أدخل نفسه في جدل فلسفي ضد الدين و المؤمنين بالخلق. فلا يكاد يخلو فصل من فصول الكتاب من إشارة ضد فكرة الخلق. و هذ الأمر، يمكننا أن نتفهمه إذا ما قرأنا بعض أفكار المؤمنين بالتصميم الذكي (أي بوجود الخالق) و بعض المتدينين الذين يجادلون ضد التطور، و خاصة في الديانة المسيحية. فهم كثيرا ما يضعون أنفسهم في مواقف ضعيفة أمام الدليل العلمي. و كثيرا ما يستخدمون ما يسميه الكاتب -و غيره-: “حُجة إله الفراغات”، حيث يقولون على سبيل المثال: إذا لم يستطع العلماء تفسير الأعضاء المعقدة -مثل دماغ الإنسان- أو عملية تجلط الدم من خلال التطور بالاصطفاء الطبيعي، فإن هذا دليل على بطلان التطور و أنه لا مفر من الإيمان بوجود خالق و أن هذا الخالق قام بالتدخل -فجأة- من أجل وضع هذا الأمر الذي لا تفسره نظرية التطور.

و هذه الحجة هي بحق حجة ضعيفة و تؤدي بكل تأكيد إلى نفور المجتمع العلمي من هذه الأفكار. لأن بعض المتدينين الذين يستخدمون هذه الحجج الضعيفة، يدعون أن العلم لن يستطيع أن يفسر بعض الظواهر. و لكن، إذا استطاع العلم في يوم ما أن يفسر ما زعم بعض المتدينين أنه لا يمكن تفسيره إلا بوجود خالق -و قد حصل ذلك كثيرا-؛ فإن ذلك قد يعني لدى بعض العلماء بطلان ادعاءهم بوجود خالق!! و لذلك تجد كثيرا من المجتمع العلمي يحارب أو لا يلتفت إلى أقوال المجادلين بالدين، و يعدها ضرب من الخرافة.

في نهاية المطاف، إذا ما نظرنا إلى الأمر بروية، نجد أن هذا الصراع بين الخلقيين و الملحدين نابع عن سوء فهم عميق للدين. و نجد أن كلا الطرفين يسقط وجهة نظره الشخصية على العلم و مكتشفاته. و لكننا إذا ما استطعنا أن نميز بين ما تقوله لنا التجربة أو الرصد و بين الرأي الشخصي للعالم أو الناقد، فإننا قد نسلم من الدخول في تلك المجادلات العقيمة. مثلا، ما الذي يمنع المتدين أن يؤمن بأن الله تعالى قد وضع سننا في الكون هي التي تنظم سير الكون كما أراد لها سبحانه و تعالى و أنه تعالى هو المتحكم و المهيمن عليها، و أننا كبشر نستطيع أن ندرس و نفهم بعض هذه السنن؟ و أننا سنظل نتعلم المزيد حتى نهاية البشرية؟ لا شيء يمنعنا -نحن أصحاب الديانات، و أتحدث عن نفسي كمسلم- من ذلك.

بل إن إيماننا كمسلمين أن الله قد غرس الفضول في البشر و حثهم على التفكر و السير في الأرض و النظر في كيفية بداية الخلق. و العلوم هي خير وسيلة لذلك. و العلماء الطبيعين هم خير من يفعل ذلك. و سيظل الإنسان يكتشف أشياء لم يكن يعرفها أسلافنا من قبل، سواء في الأرض أو في الكون ككل، و سنظل نتعلم و نزيد معرفتنا حتى يرث الله الأرض و من عليها. لذلك، فمن الخطأ الجسيم أن ندعي أن الدين يأمرنا أن لا نفكر في كذا و كذا أو أن الدين يرفض النظرية العلمية. و في المقابل يجب أن لا نصدق أي شخص ملحد إذا ما قال لنا أن النظرية العلمية أو الحقيقة العلمية تنفي وجود الخالق، لأنه حينها يسقط وجهة نظره الشخصية في النتائج العلمية، و مؤلف الكتاب هو مثال على هذا النوع.

أختم قراءتي هذه، بنصيحة لكل شخص يريد أن يتعرف على الأدلة التي تثبت صحة التطور أن يقرأ هذا الكتاب، و لكن أن يضع في اعتباره أن الكاتب له شؤون مع بعض الخلقيين الذي يجادلون ضد التطور بحجج ضعيفة، و بالتالي فإن المؤلف و بشكل عام يقف ضد فكرة الخلق، على الرغم من أن التطور و نظرية الاصطفاء الطبيعي لا تنفيان بأي حال من الأحوال فكرة الخلق و الخالق. و لمن أراد أن يقرأ المزيد عن التطور و قضية التطور و الإسلام، أنصح بزيارة سلسلة: التطور و الإسلام التي يكتبها الأستاذ الباحث جهاد العمار في مدونته: إرهاصات جهاد.

كتبه: مَعين بن جنيد

-معد للنشر بعد المراجعة -إن شاء الله-

  1. انظر إلى الرابط http://www.bbc.co.uk/nature/adaptations/Troglobite []

9 آراء على “قراءة في كتاب: لماذا يعدّ التطور حقيقة؟ ?Why Evolution is Ture”

  1. شدتني نقطة في الفصل الثالث : نقطة الجينات الميتة , و خصوصا اذا كانت لها القدرة إلى انها ممكن ” تستيقظ فجأه ” , هل معنى كده كل الفلسفة حول تطور الانسان ” مستقبلا ” ممكن تكون شي واقع , أقصد في المستقبل أذا استيقظة فجأه هل ممكن نشوف نوع من البشر قادر على استعادة الاعضاء المفقودة زي الوزغ ” البرص ” مثلا , او سرعة معالجة الجروح بلمح البصر , اعتقد اسمها ” تشيو جنريشن ” , بشر قادرة مثلا على الطياران و تغير درجات حرارة الجسم , و التنفس في ماء ..

    مشكلة لو تكون افلام هليود اللي تتحدث عن نظرية داورن مو مجرد خيال علمي .

  2. كتاب رائع ومراجعة أروع يا أستاذ معين
    العلم لا يثبت أو يرفض وجود إله أو آلهة (بالمعنى الربوبي) لكن أعتقد ان كوين كان يتحدث عن إله معين. الإله الإبراهيمي (الخالق البارئ المصور) أو الإله المتحكم في الخلق (المتحكم بالعملية التطورية) وهذا ما يرفضه التطور بتاتا، لأن التطور عملية متكاملة تفسر نفسها بنفسها وترفض أي تدخل من متحكم غير الطبيعة.

    وأيضاً هناك مشكلة أخرى وهي نسب هذه العملية القاسية والدموية إلى إله رحيم!.
    🙂

  3. التطور قضية كبيرة جداً
    ولها مؤيدين كثيرون وأكثر المجلات والقنوات العلمية هي تطورية
    وإنتشرت الكثير من الأقاويل فيها
    من الأنسان العاقل والأنواع المختلفة فيها
    الحقيقة أن لغتي لا تسمح لي بقراءة هذا النوع من الكتب حالياً العلمية أقصد

    حقيقة أثريتنا بالمعلومات أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك
    وواصل وسنواصل معك بإذن الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *