الرب الذي يتحدث عنه “بعض” علماء الطبيعة!

ملاحظة: الهدف من هذه المقالة هو سرد معلومات و حقائق فهي ليست مقالة جدلية! و هي جزء من عمل أكثر شمولية أقوم به حاليا!

يقتبس بعضنا أقوال بعض علماء الغرب عن الرب (الإله) على اعتبار أنها أقوال تؤيد فكرة وجود خالق لهذا الكون و بالتالي تقف في وجه الإلحاد1. بينما الواقع أنها عكس ذلك تماما، إذ إن معظمها آراء نابعة عن فكر إلحادي خالص أو على الأقل فكر لا يؤمن بالرب الذي يؤمن به أصحاب الديانات السماوية على أقل تقدير2.

سبب الإشكال و سوء الفهم نابع من أن مصطلح الرب يحتمل دلالات كثيرة، فالمنظرين لقضايا الإلحاد (أمثال ريتشارد داوكتز) يفرقون بين الرب الغيبي (فوق الطبيعي supernatural)، و بين احتمال وجود رب (أو أرباب) يدخل ضمن مفهوم الطبيعة. و المقصود بالطبيعة: كل ما يمكن أن نحسه أو أن نحس أثره بما لدينا من أدوات حتى و إن كنا نجهل حقيقته\طبيعته لمحدودية الأدوات و المعلومات التي بين يدينا الآن. بالتالي هناك ترادف لدى بعض الكتاب بين مصطلح الطبيعي و المادي، و إن كان هناك فرق بين المصطلحين إذا ما تحرينا الدقة.

قبل أن أناقش ما الذي يعنيه تحديدا بعض علماء الطبيعة الملحدين باستخدامهم لمصطلح الرب في بعض عباراتهم، دعونا نتاول مفهوم الرب لدى أصحاب بعض التوجات الفكرية، و الدينية3.

١. الألوهيُّون Theists: تشمل كل من يؤمن بوجود خالق لهذا الكون و أن هذا الخالق ما زال قائم على شؤون الكون و هو يسمع دعوات الداعين و يستجيب إليها و يصنع المعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة. و يشمل هذا المصطلح المؤمنين بوجود أكثر من رب يقومون بتدبير شؤون الكون. و النقطة الجوهرية هنا هي أن هذا الرب خارج حدود الطبيعة!

٢. الربوبيُّون Deists: تشمل كل من يؤمن بخالق (خارج حدود الطبيعة)، و لكنه بعد خلق الكون و سن القوانين فيه، فإنه لا يتدخل و لا تهمه أفعال الخلق سواء من عبادة أو غيرها.

٣. المؤمنون بوحدة الوجود4 Pantheists: تشمل كل من “لا” يؤمن بوجود خالق خارج حدود الطبيعة، بل إن مفهوم الرب لديهم يتمثل في الطبيعة ذاتها، و بالتالي فإن قوانين الطبيعة هي الرب -حسب نظرتهم-. و هي ما سيهمنا فيما يلي لأنها تمثل نظرة بعض الملحدين من العلماء.

نعود إلى قضية استخدام بعض علماء الطبيعة لمصطلح الرب، لنأخذ على سبيل المثال آينشتاين! و هو ممن يظن كثير من الناس أنه يؤمن بالرب الذي يؤمن به أتباع اليهودية على اعتبار أنها ديانته. و مما يدعم هذا الظن أنه في غير مرة يستخدم مصطلح الرب، و الدين. من أشهر عباراته (التي يعترض فيها على ميكانيكا الكم): “الرب لا يلعب النرد”!، و كذلك: “العلم بلا دين واهٍ، و الدين بلا علم أعمى”! و لكن الواقع أن آينشتاين لم يؤمن بالخالق، و لا بالدين! بل كان لديه تصور خاص هو أقرب ما يكون لتصور الملحدين. فهو يقول5 : “إنني لا أؤمن برب شخصي personal god6، و إنما الجانب الديني فيّ هو التقدير غير المحدود لبنية الكون كما نعرفها من خلال العلوم.”

و يوضح آينشتاين معنى الدين و التدين عنده بالتالي7: “من خلال تجربة الإنسان التي يخوضها لفهم الكون، يظل هناك جانب نشعر بأننا لا نستطيع أن نفهمه، و لكننا أيضا نشعر بجماله و مهابته المنعكسين بشكل غير مباشر فيما ندركه. هذا هو التدين.” و يؤيد داوكنز هذه النظرة (و إن اختلف على تسميتها بالتدين) مع تأكيده بأن الشيء الذي لا نفهمه من منظور آينشتاين ليس أمرا خارجا عن حدود الطبيعة. عموما، لدى آينشتاين الكثير من المقولات التي يوضح فيها بشكل مباشر عدم إيمانه بالرب و لا بالدين بالمنظور الذي يراه أهل الديانات السماوية على الأقل.

هناك أيضا عالم آخر، و هو ستيفن هوكنج. فمن ضمن العبارات الشائعة هي الجملة التي ختم بها كتابه: موجز تاريخ الزمان، عندما قال: “… حينها سنتعرف حتما على تفكير الرب.” و غيرها من الإشارات إلى الرب التي يستخدمها في كتبه. و هذه العبارة تحديدا يعني بها قوانين الطبيعة. إذ أن هوكنج معروف بعدم إيمانه بالخالق، فمن ضمن عباراته الشهيرة: “العلم ينتصر على الدين، لأن العلم يعمل”8. فمؤخرا، تناقلت وسائل الإعلام الغربية خبر صدور كتابه الجديد “التصميم العظيم” و الذي يتبنى فيه أفكارا فلسفية مُفادها أن الكون لم يحتج إلى خالق خارج الطبيعة، بل إن الكون خلق نفسه بنفسه من خلال قوة الجاذبية9، لذلك فإن هوكنج عندما يستخدم مصطلح الرب فإنه يستخدممه للإشارة إلى قوانين الطبيعة و ليس الخالق الذي يؤمن به أصحاب الديانات.

و يتضح توجه “وحدة الوجود” صراحة في مقولة كارل ساجان: “إذا كان المقصود بالرب قوانين الطبيعة التي تحكم الكون؛ فنعم، يوجد هذا الرب و لكنه رب غير مرضٍ من ناحية المشاعر!! لأنه ليس من المنطق أن نصلي لقانون الجاذبية”. و آخر الأمثلة التي سأسوقها ما يقوله ستيفن واينبيزغ الحاصل على جائزة نوبل: “الرب مصطلح يمكن أن نسقطه على أي شيء!”.

هذه أمثلة محدودة و لكنها لأسماء كبيرة و ذات ثقل عظيم في المجتمع العلمي و خارجه، و من خلالها يتبين لنا أن استخدام مصطلح الرب لدى كثير من علماء الطبيعة، و خاصة أولئك الذين يصرحون بإلحادهم -و هم الأكثر بين العلماء-، إنما يعني قوانين الطبيعة. و لذلك فمن الخطأ أن نظن أنها عبارات تؤيد فكرة وجود خالق لهذا الكون، و إذا ما استخدمت في هذا السياق فإنه استخدام خاطئ. أخيرا، أرجو أن تبيان هذه القضية قد أعطى القارئ تصورا عن عمق المسألة، و أنه ينبغي أن نتحرى الدقة فيما ننقل أو نجادل به على لسان بعض علماء الطبيعة! فما يدور حولنا في عالم العلوم و الفلسفة ليس لقمة سهلةَ البلع و الهضم!!

مصادر:

– The God Delusion by Richard Dawkins

– God: The Failed Hypothesis by Victor Stenger

  1. تعريف الإلحاد هنا هو: عدم الإيمان بوجود خالق لهذا الكون. فهي كلمة قد تحتمل معنى آخر في بعض الاصطلاحات المتخصصة []
  2. في هذه المقالة قد نعطي أوصافا و أخبارا عن مفهوم الرب لا تليق بالله سبحانه و تعالى، و السبب هو أن الله ليس هو المقصود في بعض ما يتناوله الملحدون أو أصحاب الديانات غير السماوية، لذلك أرجو ألا يساء فهم الكلام أو أن يحمل على غير مقصده []
  3. المصطحات التي سأستخدمها هي ترجماتي الشخصية! لذلك سأضع بجانب كل مصطلح ما يقابله باللغة الانجليزية من باب الدقة. و أرجو تصويبي إن استخدمت ترجمة غير تلك المتعارف عليها لدى أهل الاصطلاح []
  4. و وحدة الوجود لسيت هي الوجودية (المذهب الفلسفي) []
  5. المصدر الذي أستخدمه لهذه العبارات و الاقتباسات هو كتاب ريتشارد داوكنز: وهم الرب []
  6. و المعنى الرب الغيبي الذي تنشأ بينه و بين الإنسان صلة. سواء بالتعبد أو الدعاء []
  7. المصدر: كتاب داوكنز []
  8. يقصد أن الدين غير مفيد لفهم الطبيعة []
  9. بغض النظر عن رأيه المثير للجدل []

4 آراء على “الرب الذي يتحدث عنه “بعض” علماء الطبيعة!”

  1. That’s from The God Delusion 😀
    I loved that book,people sometimes mix things p and quote scientists without knowing what exactly did the mean
    BTW.I’ve been visiting your blog for a long time and this is my first comment.You are one of the people that I admire,I’m serious.You are a PHYSICIST,don’t stop your achievements
    And I’m still following

    1. Yes. I mentioned that at the end of the post
      🙂

      I am greatly honored by your words! And I hope we all could contribute, as much as we can, to the improvement of our societies in terms of knowledge

      Many thanks for your support

  2. صححت لي الكثر من المفاهيم بهذه المقالة
    هذه مشكلة قراءة الكتب ذات التوجه الإسلامي العلميه منها,لماذا نلوي الحقائق؟
    عموماً
    أينشتاين كنت متعقد منه أساساً لأن عبارته عن الله مبهمه
    من المثير للضحك إنني قرأت كتاب ستيفن هوكنيج قبل أن أعلم عن إلحاده الان تغيرت نظرتي كلياً

    من مرجعك لهذه المقالة هو كتاب ريتشارد داوكنز ألا تعتقد ربما أنه يدعم الإلحاد بتفسير كلام بعض العلماء؟

    شكراً لك ,وأتمنى إنك تستمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *